في خضم التحولات الجيوسياسية التي يعيشها العالم، يبرز خطاب جديد يتناول موقع تونس في المشهد الدولي، ورهاناتها المستقبلية في ظل صراع المحاور وتصدع التحالفات التقليدية. ومن خلال تصريحات الخبير في العلوم السياسية، منذر ثابت على موجات إذاعة Son FM ، يتضح أن العالم يعيش لحظة انتقالية عميقة تتطلب من الدول الصغيرة، ومنها تونس، إعادة تموقع ذكي ومتزن.
تفكك التحالفات التقليدية وأفول الغرب
يشير منذر ثابت إلى أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) بات يعيش حالة من الترنح والتصدع الداخلي، في وقت تواجه فيه أوروبا الخطر الروسي المتجدد، مع عودة روسيا الاتحادية كنموذج لـ"الرأسمالية المحافظة"، ما يعيد تشكيل الرؤى الجيوسياسية في القارة العجوز.
ويؤكد أن ما يحدث اليوم ليس تغييرًا جذريًا في جوهر العلاقات الدولية، بل استمرار لنهج الإمبريالية وسياسات التوسع ذاتها، لكن الجديد هو تراجع ترتيب الاتحاد الأوروبي إلى المرتبة الثانية في ميزان القوى العالمية، مما يعكس تحوّلاً في مراكز النفوذ.
أفريقيا والصين: قرن جديد ومعركة النفوذ
في رؤيته لما ينتظر العالم، يرفض منذر ثابت المقولة السائدة بأن هذا القرن سيكون قرن الصين، معتبرًا أن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن إفريقيا. ويضيف أن الصين، رغم تضخيم دورها، تواجه تحديات داخلية كبيرة، خصوصًا على الصعيد الاقتصادي، وهو ما يضعف من قدرتها على لعب دور المهيمن على الساحة الدولية.
وفي المقابل، يشير إلى أن فرنسا التي طُردت من إفريقيا تحاول العودة عبر البوابة المغربية، مما يعكس احتدام التنافس الدولي على القارة السمراء.
تونس وإرث الدبلوماسية المستقلة
يستحضر منذر ثابت إرث الدبلوماسية التونسية التي تأسست على مبدأ السيادة وعدم الانحياز، انطلاقًا من المدرسة البورقيبية. ويرى أن تونس قدرها أن تكون بلدًا تحرريًا، باقتصاد منفتح وأرضًا للحوار، وهو ما يمنحها فرصة للعب دور دولي يتجاوز حجمها الجغرافي والديمغرافي.
ويدعو إلى استثمار هذا الإرث لتقديم نموذج تونسي مميز يقوم على الاستثمار في المعرفة والمراهنة على الشباب، مع الحفاظ على الاستقلالية وعدم الانزلاق في تحالفات استراتيجية غير مشروطة.
خيارات تونس بين النموذج الليبرالي والقوة الإقليمية
استراتيجيًا، يطرح منذر ثابت خيارين أمام تونس: إما أن تكون نموذجًا ليبراليًا يحتذى به عالميًا، أو تسعى لأن تصبح قوة إقليمية بالمعنى الديمغرافي والعسكري. لكنه يفضل الخيار الأول، الذي يمنح تونس موقعًا دوليًا دون التورط في الصراعات العسكرية أو الاصطفافات الإيديولوجية.
ويشدّد على أن تونس يجب أن تنوّع شراكاتها، لكنها لا يجب أن تكون تحت مظلة طرف بعينه كما حصل مع بعض النماذج الإقليمية مثل قطر. وبدلاً من ذلك، يمكن لتونس أن تستفيد من العلاقات مع الصين كمجال للاستثمار والمبادلات الثقافية دون الوقوع في فخ التبعية.
نحو منصة تقدم خارج منطق المحاور
في ختام رؤيته، يؤكد منذر ثابت أن تونس قادرة على أن تكون منصة لحالة من الحداثة والتقدّم خارج منطق الاصطفاف والمحاور، من خلال بناء نموذج اقتصادي قائم على الانفتاح، والاستثمار في رأس المال البشري، والانخراط في العالم بوصفها دولة مستقلة ذات رؤية.